أجاب عليه جمال حسن سعيد وفيصل أحمد سعد..
الضحك ثبت طبياً أن له الكثير من الفوائد على صحة الانسان، وهو فن قديم نشأ منذ نشأة الانسان الأولى، لكن كيف يصنع الموقف الذي يحمل المفارقة التي تجعلنا نضحك؟، وهل الشعب السوداني بطبعه شعب يجيد الضحك، أم أنه صعب المراس، متجهم، ولا يضحك؟، وما هي مصادر النكتة، وهل ما يقدم الآن من بعض الفرق الفنية يعد فناً كوميدياً؟، كل هذه التساؤلات أجاب عليها الأستاذ جمال حسن سعيد، والدكتور فيصل أحمد سعد، مساء الأحد الماضي في المنتدى الذي نظمه مركز راشد دياب للفنون، والذي حمل عنوان (فن الضحك)..
السودان عرف فن الضحك مبكراً، وبعيداً عن الشخصيات التي نشأت في الأحياء أمثال (ود نفاش، وحموري، وغيرهم)، نجد ان الدراميين أمثال أبو المسرح السوداني خالد أبو الروس والذين خرجوا من عباءته أمثال الفاضل سعيد، وود أبو قبورة، ود أب دليب، وغيرهم، هكذا ابتدر د. فيصل سعد حديثه عن علاقة الدراما بالضحك في السودان..
ويواصل د. فيصل: خالد أبو الروس كان حلقة الوصل في فن الضحك السوداني، وذلك بالمنلوجات التي كان يقدمها، ومسرحياته التي كان يؤلفها ويمثلها، في وقت كان التمثيل ليس سهلاً، إذ كان التمثيل حكراً على الرجال فقط، وفي بداية الدراما السودانية لا نستطيع تجاهل التأثير الكبير للدراما المصرية علينا، فأبو الروس شاهد نجيب الريحاني، وعلي كسان وغيرهم، ونقل هذه التجربة إلى السودان، ووجد مناخاً خصباً ليؤسس فيه لهذا الفن.
ويواصل د. فيصل بعد ذلك جاء الفاضل سعيد وود أب قبورة وبدأ انتشار الكوميديا في السودان، وقامت العديد من الفرق التي تقدم هذا الفن، وتطورت الكوميدياً، وحتى الآن نجد أن هناك كماً هائلاً من الكوميديا، في المسرح أو في الاذاعة والتلفزيون.
وعن الشخصية السودانية وتأثرها بالضحك يقول د. فيصل: السودانيون لديهم استعداد فطري للضحك، فأحدثت منلوجات خالد أبو الروس فعل السحر في اضحاك الناس، وهي كانت تدعو للفرح وتشيع جواً من المرح، وكان لديها رسالة عميقة، وليس الضحك من أجل الضحك فقط، لذا نجد أن أنجح ما قدم من مسرحيات على خشبة المسرح، كانت كوميدية، البعض يقول أن ذلك خصماً على تقديم الدراما الجادة، لكن بالعكس هي فن درامي من حقه أن يتطور، وأن يأخذ المساحات المتاحة له.
ويستطرد د. فيصل: الشعب السوداني استعداده للضحك ينبع من بساطة حياته، وطيبته وحبه للسخرية، فليس بالأمر الهين اضحاك الشعب الانجليزي، لان الضحك هناك بحساب شديد جداً، لكن هنا نرى الناس تألف الضحك وتستمد منه قدرتها على الاستمرار في ظل كثير من الأوضاع الصعبة، لذا نجد النجاح الكبير لمسرحيات مثل: (الجن الكلكي، الناس العملوا قروش، الكسكتة، النصف الحلو، عرس أبو الدرداق، المهرج، المدرسة المختلطة).
الفنان جمال حسن سعيد، يرى أن الضحك هو المدافع الأساسي بداخل الانسان والذي يعينه على تحمل مصاعب الحياة، ويتحدث جمال عن الضحك ونشأته قائلاً: هذا الفن نشأ منذ نشأة الانسان الأولى على سطح الكرة الأرضية، فهناك كانت موازنات غريزية في الحياة، قبل اللغة المنطوقة كان الانسان يتعامل عبر تحركات واحاسيس مضحكة، وبداية الدراما كانت عبر طقوس العبادات التي وجدت على سفوح جبال الأولمب، وخرجت الدراما هناك عند الاغريق من كنف الدين، وكانت تسمى الاحتفالات الديسرامبوسية، حيث نسبت لـ«ديسرامبوس» وهو أحد آلهة الخصب والنماء عند الاغريق.
ويوضح جمال أن احتفالات سفوح الجبال، كانت خليعة، ويكثر فيها اللهو والرقص والشرب، وخرجت منها «الكوميديا»، وكانت هناك احتفالات موازية لها جادة جداً وهي التي تولدت عنها «التراجيديا»، ومن هناك كانت انطلاقة الفعل الدرامي، الذي تطور وانتقل لخشبات المسارح.
جمال تحدث عن الشخصية السودانية، موضحاً أن البيئة التي تحيط بالانسان يكون لها تأثيرات كبيرة على مستوى استجابته، ويقول: مناخ السودان حار جداً، لذا يؤدي الى رسم ملامح التقطيب على الوجه، لكن الروح السودانية تميل للسخرية والدعابة، لذا نجد أن هناك تحولاً كبيراً يطرأ على ملامح من نضحكهم، فمن العبوس تنتقل الملامح نحو انفراج الأسارير وتهللها، لكنه يستدرك: التربية لها اسهام في تعاطي الضحك، فالتربية الجادة ربما تصبح سبباً في اختفاء الضحك داخل الأسرة، وهناك أيضاً بعض الناس يضحكون داخل عقولهم، دونما أن يظهر على ملامحهم ما يشي بالضحك، وربما يعود ذلك لأن الضحك والقهقهة والابتسامة هي تعبير عن حالة فرح، ويختلف الناس في أشكال تعبيرهم، اضافة لذلك تلعب الثقافة ومستوى الوعي دوراً في فهم الدعابة، ومن ثم التعبير عن هذا الاحساس.
د. فيصل أحمد سعد تحدث عن أن المواقف الطريفة أغلبها مشاهد في الحياة اليومية يتم اختزالها بواسطة الفنان، ومن ثم يشذبها ويضيف إليها من فنه ليخرجها للناس مرة أخرى، لكنه يتحفظ بشدة تجاه النكات، ويقول:
الفرق التي تقوم بتقديم النكات، والأغنيات المضحكة، لا يمكن أن نسمي ما تقدمه كوميديا، إذ لا يندرج ما يقدمونه تحت فروع الدراما، فهم ليسوا دراميين، ويمكننا أن نطلق على ما يقدمون منوعات أو ما شابه، هو فن يفترض أن تكون له أسسه التي يقوم عليها، لكنه دون أدنى شك لا يمت للكوميديا بصلة، ويواصل: من يقدمو هذه النكات لا يجرؤ على الوقوف على خشبة المسرح لتقديم عمل مسرحي متكامل، ونحن كذلك ربما لا نجيد تقديم هذه اللونية التي يقدمونها.
بناء الكوميديا يقوم حسب ما ذكر جمال حسن سعيد على المفارقة، وهذه المفارقة هي التي تجعل من الموقف موقفاً مضحكاً، لكن البعض يستغل التباين العرقي والاثني في اطلاق هذه النكات، وهذا يشكل حرجاً كبيراً للكثيرين، حيث أن الاشارات للقبلية تكرث لسياسات استعلاء البعض على الآخر، وخطورة النكتة في أنها تصعب السيطرة عليها، ففي الدراما هناك محاذير انسانية وأخلاقية وعرفية، لكن النكتة تكرث للعنصرية بشكل غير لائق، فوصم بعض القبائل بصفات غير جميلة بلا شك يفرز مشكلات نحن في السودان في غنى عنها، لذا نأسف أن ينتشر هذا النوع من الفنون بين الناس، دون أخذ من يقومون بتقديم هذه الأعمال في اعتبارهم حساسية ما يقدمون.